الباب السابع
القرآن في الصلاة
60- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أي الصلاة أفضل ؟ فقال:
" طول القنوت".
رواه مسلم
طول القنوت أي طول القيام في الصلاة وأفضل القيام في صلاة الليل . لقد اختص الله بعض الأماكن كالبيت الحرام والمسجد النبوي واختص بعض الأفراد باختصاصات من عنده كالأنبياء وأولياء الله الصالحين واختص بعض الأوقات باختصاصات من عنده كإجابة الدعاء واختص دعوات في أوقات معينة تختلف في فضلها عن أوقات أخر . وما كان أفضل التلاوة في أوقات معينة يختلف في أوقات آخر . لذلك اختلفت الصلوات في طولها وفي أفضل ما يقرأ فيها من سور ومع أن تلاوة أي سورة من القرآن جائز في أي صلاة من الصلاوات إلا أن الله اختص سور معينة بثواب أعظم وإجابة دعوات أسرع والله أعلم.
61- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء قلنا وما هممت قال هممت أن أقعد وأذر النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري
كان صلى الله عليه وسلم يطيل القيام في صلاة الليل حتى تورمت قدماه فلما سئل عن ذلك قال : " أفلا أكون عبدا شكورا"(1).
وقال تعالى { يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً } (2) وكان قيام الليل أول بدء دعوته صلى الله عليه وسلم فريضة ثم خفف الله ذلك عن المسلمين بقوله { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } (3) وذلك أسلوب تربوي رائع في تربية الجيل الأول من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم على تكبد مشاق العبادة في وقت هم أحوج ما يكونون فيه على الصبر في سبيل الله تجاه أذى الكفار ولا يرفع من قواهم سوى إيمانهم الذين عليهم أن يدافعوا به عن دينهم وعقيدتهم.
62- عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول سبحان ربي العظيم فكان كل ركوعه نحوا من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبا من قيامه.
رواه مسلم
قال أبو ذر الغفاري (4) رضي الله عنه إن كثرة السجود بالنهار أفضل وإن طول القيام بالليل أفضل وهذه الصلاة رغم عدم ذكرها صراحة كانت صلاة الليل.
63- عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا ليلة بآية يرددها وهي { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(5).
أخرجه النسائي وابن ماجه بسند صحيح
قال الله تعالى : { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا ءَايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ } (6) فإن التدبر والتفكر والتذكر لا حصول له إلا بحضور القلب لقول الله عز وجل { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } (7) يعني حاضر القلب.
قال تميم الداري (
ليلة بآية { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } (9) وقام سعيد بن جبير رضي الله عنه ليلة يردد الآية { وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ }(10).
64- عن أبي برزة (11) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الغداة بالستين إلى المائة .
رواه النسائي
صلاة الغداة هي صلاة الفجر أي كان يقرأ بين ستين آية إلى مائة آية فيها . وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة الفجر بسورة النحل ثم بسورة يوسف . وبذلك فإن طول القراءة في صلاة الفجر مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وقد قال الله تعالى : { وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}(12).
65- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة تنزيل السجدة وهل أتى على الإنسان.
رواه النسائي
كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في صلاة العيد بسورتي ق والقمر(13).
66- صلى أنس بن مالك رضي الله عنه الظهر فلما فرغ قال أني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر فقرأ لنا بهاتين السورتين في الركعتين بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية.
رواه النسائي
هاتان السورتان من أواسط المفصل وهذا ما يناسب صلاة الظهر من انشغال الناس بالكسب والعمل فلا يسن التطويل.
67- عن سليمان بن يسار (14) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان (15) قال سليمان : كان يطيل الركعتين من الظهر ويخفف الأخريين ويخفف العصر ويقرأ في المغرب بقصار المفصل ويقرأ في العشاء بوسط المفصل ويقرأ في الصبح بطوال المفصل.
رواه النسائي
المفصل هو آخر القرآن من سورة ق إلى سورة الناس . وعلى ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر السور الطوال من المفصل لكونها أول النهار والإنسان بحاجة إلى غذاء روحي كما هو بحاجة إلى غذاء مادي . فطول القيام استحضار لعظمة الله تعالى ومخالفة لأهل الباطل والغفلة . أما القراءة في الظهر والعصر فقراءة بين المتوسطة والقصيرة للسماح للناس في مزاولة الكسب والعمل ابتغاء فضل الله تعالى.
أما القراءة في المغرب فقصيرة لقصر وقت المغرب . وفي العشاء تكون القراءة متوسطة لكونها خاتمة الصلاة وقبل وقت النوم والراحة . فإن قام الرجل الليل بعد نوم كاف كان قيامه طويلا وقت غفلة أكثر الناس افتراقا عنهم فالذاكر وقت غفلة الناس ثوابه عظيم والذاكر بين الغافلين مكانته عظيمة . أما باقي النوافل والسنن فالقراءة فيها بصورة عامة بين المتوسطة والقصيرة.
68- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال ، رَمَقْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين مرة يقرأ بعد المغرب وفي الركعتين قبل الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد .
رواه النسائي والترمذي عن ابن عباس وقال حديث حسن
وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ بركعتي الوتر قبل الأخيرة بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وفي الركعة الأخيرة من الوتر بسورة قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وبذلك عمل الشافعي ومالك وأحمد فاستحبا قراءة قل هو الله أحد في الركعة الأخيرة من الوتر وحدها.
69- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كان معاذ بن جبل رضي الله عنه يصلي بالناس فقرأ البقرة فخرج رجل من الصلاة وأتم لنفسه فقالوا نافق الرجل فتشاكيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزجر رسول الله معاذا فقال:
" أفتان أنت يا معاذ . إقرأ سورة سبح والشمس وضحاها".
متفق عليه
يسن أن تكون صلاة الجماعة بما يستطيعه أضعف الناس بين الجماعة فليس لله حاجة في إيذاء الضعفاء أو ملل المصلين من طول القيام قسرا ما دام فرض الصلاة يتم حتى بآيات قلائل وليس ذلك فحسب بل إن السنة النبوية تقرر فضل الصلاة الجماعة القصيرة على الطويلة مخافة الملل والسأم والضعف من قبل واحد أو أكثر من المصلين وهذا لا يتعارض مع تحديد وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعله قد حدد حدودا لطول وقصر الآيات والسور المحبذ الالتزام بها في الصلوات ومع ذلك فإن الميل إلى للتقليل هو سنة مؤكدة متى خيف السأم والضعف.
ومعاتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ تعليم له ولمن يتقدم لإمامة المسلمين بمراعاة الضعفاء من الاتباع والرعية دون إفراط أو تفريط ولا شطط ولا مغالاة . أما من أراد طول القيام ففي صلاة الليل سعة وأبعد عن الرياء وعن إيذاء الضعفاء من الناس ومن أحب طول القيام فليصل ذلك وحده فيما عدا الفريضة التي تكون أفضل ما هي عليه جماعة.
70- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد حتى ما يجد أحدنا موضع جبهته.
رواه البخاري
سجود التلاوة سنة في أربعة عشر موضعا من القرآن الكريم ويسن السجود بعد تلاوة آيات السجود مباشرة والحديث يدل على تكرار ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ذلك كان يتم أثناء تعليمه صلى الله عليه وسلم وتدريسه القرآن للصحابة الكرام وهم حوله مزدحمين حتى كان يسجد أحدهم على ظهر الآخر لعدم توفر أماكن لوضع الجبهة على الأرض وآيات السجود تحث على السجود بمدحها إياهم وتذم الكفار لامتناعهم عن السجود لله تعالى . مثل الأولى :
{ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً}.
ومثال الثانية : { وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْءَانُ لاَ يَسْجُدُونَ}.
71- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر سورة ص فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها فبلغ السجدة تَشَزَّنَ (18) الناس للسجود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود " فنزل وسجد وسجدوا.
رواه أبو داؤد
ربما دل الحديث على أن السجود في سورة ص غير مؤكد أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يشير إلى أن السجود كله في القرآن هو سنة ولا بأس بتركه أحيانا لكن السجود بصورة عامة هو أفضل وذو ثواب عظيم .
الباب الثامن
فضائل سور محددة
يقول الإمام الشعراني (1) في كتابه لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية : وقد أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نواظب على قراءة ما ورد من الآيات والسور كل يوم وليلة كالفاتحة وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة وخواتيم سورة آل عمران وقراءة سورة يس والواقعة والدخان وتبارك ونحو ذلك . والأحاديث في ذلك مشهورة ومن واظب على ذلك كان في حرز وأمان من الآفات الظاهرة والباطنة وأكثر من يخل بهذا العهد طلبة العلم الذين حدثوا في هذا الزمان فلا تكاد تجد لأحدهم وردا من القرآن ولا من الأذكار وإن كلمهم أحد في ذلك جادلوه وقالوا نحن مشغولون بالعلم وربما جلس أحدهم يلغو ويمزح ويستغيب الناس أضعاف زمن تلك الأوراد ولا يقول لنفسه قط إن الاشتغال بالعلم أفضل أبدا بل ربما نسي بعضهم القرآن في حجة اشتغاله بالعلم وهو ذنب عظيم كل ذلك لعدم من يربيهم وقد كان السلف الصالح إذا رأوا طالب العلم لا يعتني بالعمل لا يعلمونه العلم .
72- عن أبي سعيد بن المعلّى (2) رضي الله عنه قال : كنت أصلي فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فلم أُجبه قلت يا رسول الله كنت أصلي قال : " ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكُم " ثم قال : " ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ؟ " فأخذ بيدي فلما أردنا الخروج قلت يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قال :
" الحمد لله رب العالمين . هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتُهُ " .
رواه البخاري وأبو داؤد
73- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه فرفع رأسه فقال هذا باب في السماء فُتح اليوم ولم يُفتح قطُّ إلا اليوم فنزل منه مَلَك فقال هذا مَلَك نزل إلى الأرض لم ينزل قطُّ إلا اليوم فسلَّم وقال أبشر بنورَين أوتيتَهُما لم يُؤتَها نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منها إلا أُعطيتُه .
رواه مسلم
روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كَفَتَاه " (3) أي يمنعان عنه الأعداء والمصائب : أعداء الإنس والجن ومصائب الآخرة فيبقى في ليلته في حرز أمين قال تعال: { فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ } (4) وربما يقصد " بكَفَتَاه " عظم أجرهما أو عظم الدعاء الوارد فيهما أو بأن يكون في أمان فإن مات مات على الإيمان . وهكذا قُرِنت خواتيم سورة البقرة وهي آيتان أو ثلاث آيات قوله تعالى : لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ .. إلى آخر السورة بسورة الفاتحة التي هي السبع المثاني . ويستحب في آخر قراءة هذه الثلاث آيات قول آمين كما في سورة الفاتحة ، لأن الدعاء فيها دعاء جليل فقيه الدعاء بعدم المؤاخذة بالخطأ والنسيان وتشبه الفاتحة كذلك في احتوائها الدعاء بعدم سلوك صراط المغضوب عليهم والضالين بقوله تعالى : { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } .
74- عن أبي بن كعب (5) رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم " قلت الله ورسوله أعلم قال : " يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ " قال : قلت الله لا إله إلا هو الحي القيوم قال فضرب في صدري وقال : والله ليهنك (6) العلم أبا المنذر " .
رواه مسلم وأبو داؤد
انظر إلى أدب الصحابي الجليل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجابته الله ورسوله أعلم مع علمه بالجواب . وهكذا كان أدب الرجال العظام الذين تأدبوا بآدابه صلى الله عليه وسلم وربّاهم بنفسه فنعم الصحب صحبه ونعم الأدب أدبهم .
75- عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" إقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه . إقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غَمامَتان أو كأنهما غيابتان أو كأنهما فرقان من طير صَواف تحاجّان عن أصحابهما إقرأوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة " .
رواه مسلم والترمذي
سورة البقرة وآل عمرات تحويان الكثير من الحكم والأمثال والعظات فمن حفظهما وأقام حدودهما وائتمر بأوامرهما وانتهى عن نواهيهما كان حقا على الله أن يشفعهما فيه يوم القيامة لتحاججان عن صاحبهما فهما بركة لمن يتلوهما وحسرة على من يتركهما يوم القيامة حين يجد ما أعد الله تعالى لمن أوتيهما في هذه الدنيا .
وفي هذا الحديث إشارة إلى أن الله يوفق لمثل هذه الأعمال من يحب أما من لا يحب فإنه لا يمكنه من حفظهما أو أداء حقهما حتى ولو حاول ذلك ابتغاء غير وجه الله تعالى .
غيابتان من غيابة وهي الظلة أو الغمامة والبطلة أهل الباطل .
76- قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم : قد شبت يا رسول الله قال :
" شيبتني هود وأخواتُها الواقعة والمرسلات وعمَّ يَتَسَاءَلُونَ وإِذَا الشَّمْسُ كُوِرَت " .
رواه الترمذي
سورة هود احتوت على آية الأمر بالاستقامة { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } (7) وهي حمل ثقيل بالأمر بالاستقامة كما أمر الله تعالى وهو أمر ليس خاصا به بل لمن اتبعه بقوله تعالى : { وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا } .
وأما سور المرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت فكلها وصف لشدائد يوم القيامة : يوما يجعل الولدان شيبا . وتنذر الناس إنذارا شديدا . ففي سورة المرسلات تكرار للويل للمكذبين عدة مرات وفي عمَّ يتساءلون وصف للقيامة بالنبأ العظيم وفي التكوير وصف للحوادث الكونية الرهيبة يوم القيامة وفي الواقعة كذلك فهي الخافضة الرافعة ووصف أحوال أصحاب أهل اليمين وأصحاب الشمال وأحوال السابقين السابقين اولئك المقربين .
77- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجُمعتين " .
رواه البيهقي والحاكم وصححه
78- عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عُصِمَ من الدجال " .
رواه مسلم وأحمد والنسائي وأبو داؤد
وفي رواية من آخر سورة الكهف (
والأفضل الجمع بينهما بحفظ عشر آيات من أولها وعشر من آخرها والأفضل من ذلك حفظ السورة كلها وترديدها أيام الجمع كما مرَّ في الحديث السابق .
79- عن معقل بن يسار (9) رسول الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" قلب القرآن يس لا يَقرَؤُها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غُفر له . إقرأوها على موتاكم " .
رواه الإمام أحمد والبيهقي وصححه
80- عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" من قرأ حم الدخان في ليلة جمعة أو يوم جمعة بنى الله له بيتا في الجنة " .
رواه الطبراني وصححه
81- عن عبد الله بن مغفل (10) رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح .
رواه ابن ماجه
في هذا الحديث جواز بل استحباب التلاوة أثناء السفر والمشي والركوب وفي الطريق وقد روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه . كما أن الحديث يدل على ضرورة تعاهد القرآن وتلاوته سفرا وحضرا كما أن تلاوة سورة الفتح يوم الفتح كانت سورة بالمناسبة لذلك يسن تلاوة الآيات أو السور التي لها علاقة بالمناسبة التي يمر بها المرء في حياته .
82- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" من قرأ سورة الواقعة كلَّ ليلة لم تُصِبهُ الفاقَةُ أبدا " .
أخرجه أبو عبيد وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي
83- عن العرباض بن سارية (11) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد ويقول :
" إن فيهن آية خير من ألف آية " .
المسبحات هي خمس سور : الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن ، ولعل الآية المشار إليها في الحديث { لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ } (12) ... إلى آخر السورة .